أراكَ فأَسمــو في قداســـةِ ما أَرَى كـــأنَّ الليالي جدَّدَتْ فيكَ (حيدرَا )
كأنَّ الليالي في صـــــدَى عُنْفُوَانِها أَرَادَتْ لِذاكَ الوِتْرِ أنْ يتكـــــرَّرَا
فَأَلْقَتْكَ في أتُّـــونِ دُنْيَاهُ خَـــامَةً وصاغَتْكَ من أسمى معــــانيهِ جوهرَا
وَخَطَّتْ لكَ المضمارَ عبر جــــراحِهِ لِتجري على سيفِ المنايا كما جَــرَى
وبَيْنَكُمَا التاريخُ نَهْــــــرٌ مُدَلَّلٌ أَسَالَتْهُ أعنـــــاقُ المحبِّينَ أحمــرَا
وشَدَّتْكُمَا شريــانَ عشــقٍ تَدَفَّقَتْ دماءُ الأضاحي في أقاصيهِ مَحْشَــــرَا
فَكُلُّ خـــلاصٍ في الحـــياةِ قيامةٌ تهزُّ الثرى الغافي فَيَسْتَيْقِــــظُ الثرَى
سلاماً (أبا الهـــادي) على قلبِكَ الذي تَنَاثَرَ في الوادي طـــــيوراً وأَنْهُرَا
سلاماً على السِنِّ الضَحوكِ إذا اخْتَفَـتْ وراءَ التحدِّي تشعلُ الحرفَ مجمـــرَا
سلاماً على رُؤْيَاكَ في كلِّ فكــــرةٍ دَحَوْتَ بِها في (دَبْشَةٍ) بــابَ (خيبرَا )
مؤامرةُ الأصفـــــارِ ضدَّكَ لم تَلِدْ سوى الصفـرِ.. يا رَقْماً من الدهرِ أكبرَا
تَنَاسَخْتَ في صُلْبِ الجمــاهيرِ ، هازئاً بِمنْ حَسِبوا صُلْبَ الجمــــاهيرِ أبترَا
تُحَرِّضُ في المـــــاءِ الأجنَّةَ زارعاً ( فلسطينَ ) في الأصلابِ عهداً مُطَهَّـرَا
فَتَنْمُو بطونُ الأُمَّهــــــاتِ بِبَيْعَةٍ على العهدِ .. تَجْنِيهَا سلاحاً وعسكـرَا
* *
أُعيذُكَ منِّي .. من هوىَ كـلِّ عــاشقٍ يعيشُكَ شكلاً لا يعيشُكَ مخـــــبرَا
فما حبَسَ الأبطـــــالَ مثلُ حكايةٍ تُشَيِّدُ من أسطــورةِ العشــقِ مَخْفَرَا
أُعيذُكَ من ( غرناطةٍ ) بعدَ ( طــارقٍ ) فأمجادُهُ صــــارتْ رخاماً ومَرْمَرَا !!
غداً يرصـــدُ التاريخُ ذكراكَ شاهـراً يراعتَهُ يجلو الســــــؤالَ المُشَمِّرَا :
ومَنْ هُوَ ( نَصْرُ اللهِ ) .. هَلْ هُوَ فـاتـحٌ أضافَ إلى طــــولِ المجرَّةِ خُنْصُرَا ؟ !
أَمِ البَطَلُ الشعبيُّ في قَصَــــصِ الهوى - قديماً – بأعمــاقِ الغواني تَجَذَّرَا ؟ !
بِماذَا يجيبُ العاشقــــونَ إذا انْتَهَى بِكَ العشقُ رمزاً في الأساطيرِ مُبْحِـــرَا
أَقَامَتْ حكـايـاتُ البطولــةِ سورَها عليكَ فلا ألقاكَ إلاَّ مُسَــــــوَّرَا
قفزتُ على ســــورِ الحكاياتِ علَّني أراكَ طليقاً من هواها ، مُحَـــــرَّرَا
وجئتُكَ بالنخلِ المقــــــاومِ مالئاً مساحةَ روحي عنفواناً ومفخَــــرَا
معي قُبُــــــلاتٌ باتِّساعِ مَجَرَّةٍ من الشــوقِ .. فَامْنَحْني جبينَكَ محورَا
وفي كلِّ سطرٍ من عروقيَ جمــــرةٌ من الحبِّ فَاقْرَأْني جحيماً مُسَطَّــــرَا
تَسَمَّرْتُ للنجـــــوى كأنّيَ عاشقٌ فَتِيٌّ لميعادِ الهــــــوى قد تَسَمَّرَا
أطـوفُ بأحـداقي طـوافاً مُقَــدّساً على كلِّ حقلٍ فوقَ هامكَ أزهــــرَا
تجلَّيْتَ لي في وجــــهِ ( آذارَ ) سنبلاً وفاجَأْتَني في كفِّ ( أَيَّــــارَ ) بيدرَا
وكوَّرْتَ آلافَ المواســــــمِ عِمَّةً على الرأسِ ، فارتاحتْ على زندِكَ القُرَى
وحَفَّتْــــكَ من كلِّ النواحي مهابةٌ تناثرَ منها العــزُّ ورداً وعنــــبرَا
إذا سَقَطَتْ في هُوَّةِ الجــــوعِ قريةٌ مَدَدْتَ لها كفَّيكَ خُـــبزاً وزعــترَا
فَقَامَتْ تُصَلّي فجـــــرَها مُطْمَئِنَّةً وتتلو على الأرضِ الأمــــانَ المُطَهَّرَا
وتشعلُ تنَّورَ الصبـــــــاحِ تحيّةً تكادُ من الإشـــــراقِ أنْ تَتَجَوْهَرَا
* *
أُحَدِّقُ في التقويمِ .. والحــزنُ شاخصٌ على كلِّ يومٍ صـــــارَ عيداً مُزَوّرَا
تزاحَمَتِ الأعيادُ في عُمْـــــرِ أُمَّةٍ هيَ الحزنُ .. بلْ أشقى من الحزنِ عُنصرَا
ألَمْ تَرَها منقوعــــــةً في دمائِها قروناً .. أَلَمْ تُمْطِرْ عليها التحسُّــرَا ؟؟
أَلَمْ تُعْطِها عهداً على السيــفِ ، قاطعاً رقابَ الخياناتِ التي تملأُ الثــــرَى؟
أتيتَ .. وكانَ الشـــوطُ يهفو لِفارسٍ يشدُّ بِيُمْنَاهُ الصهيلَ المُكَسَّــــــرَا
تَمَخَّطَتِ الدنيا فســـــالَ مُخَاطُها بـ ( صهيونَ ) ســيلاً في الليالي تبعثرَا
و ( لبنانُ ) سـربٌ من خيوطٍ تَشَاجَرَتْ لِتَنْسِجَ للأعــــــرابِ بُرْداً ومئزرَا
و ( بيروتُ ) .. ليلى الحُبِّ .. ما عادَ إسمُه تحجُّ إليهِ الأبجديَّاتُ ، مشعــــــرَا
وكانتْ ليالي الوصـــلِ في كلِّ خلوةٍ مزاداً بهِ ( ليلى ) تُــــباعُ وتُشْتَرَى
وثَمَّةَ طوفانٌ من القهرِ واقـــــفٌ على صمتــــهِ الرسميِّ حتّى تَحَجّرَا
إذا همَّ أنْ يجري أعاقَتْهُ صخـــــرةٌ من الذكرياتِ السُــــودِ فارتدَّ لِلْوَرَا
أتيتَ .. وفجــرُ التضحياتِ مُدَجَّنٌ .. هزيلٌ .. بأوراقِ الخــــيانةِ حُوصِرَا
وحينَ تَشَرَّبْتَ الحقيقةَ مُــــــرَّةً جريتَ بعنقودِ الحقيقةِ سُكَّـــــرَا
وآمنــــــــتَ أنَّ البندقيَّةَ سُلَّمٌ إلى الغيبِ تختطُّ المصـــــيرَ المُقَدَّرَا
فما هِيَ إلاَّ وثبةٌ عبقــــــــريّةٌ وأومأتَ للطوفانِ أنْ يَتَفَجَّــــــرَا
هناكَ سُراةُ الليلِ شَدُّوا ركــــابَهُمْ بقافلةِ الأحرارِ واستأنفوا السُــــرَى
وأهــــداكَ ( صِنِّينُ ) المعظّمُ رُكْبةً إلهيَّةَ المســــــرى ، وزنداً مُظَفَّرَا
وسِرْتَ .. فما ألقى ( البراقُ ) رحــالَهُ ولا كــــانَ عن إرْثِ النبوّاتِ مُدْبِرَا
صعدتَ جبالَ الصَمْتِ .. والصَمْتُ شاهقٌ لِتَبْني عليها بالقنابلِ منـــــــبرَا
إذا أشْعَلَتْ صـــــوتَ المُؤَذِّنِ بحَّةٌ قَبَسْتَ الصدى برقاً من الـهــديِ نَيِّرَا
وإنْ تَعِبَ الدربُ الطــــويلُ حملتَهُ على قَدَمَيْكَ الماردينِ ، مُكَـــــوَّرَا
فصاحتْ جهاتُ الأرضِ : يا سيّدَ المدى تَنَبَّهْ .. فقد أضحى زمانُكَ أَعْــــورَا
لكَ الشمــــسُ خيطٌ والحقيقةُ إبرةٌ فَفَصِّلْ على عينِ الخريطــــةِ محجرَا
هيَ الأرضُ للمستضعفينَ هــــديّةٌ من الله.. ضاعتْ بينَ (كسرَى) و(قيصرَا )
فلا جِهَةٌ إلاَّ أعَــــــارَتْكَ رِجْلَها لِتَنْقَضَّ من كلِّ الجهــــاتِ غضنفَرَا
عباءتُكَ امتدَّتْ سهـــــولاً شريدةً وجُبَّتُكَ التفَّتْ ترابــــــاً مُهَجّرَا
وأنتَ مع الطـــوفانِ .. تُرخي عنانَهُ فَيجري ، وتلوي بالعنانِ فَيُقْصِــــرَا
وتَبْلُو السرايا : موجةً بعدَ موجــــةٍ تُقَـــــــوِّمُ من تيّارِها ما تعثَّرَا
مَشَتْ خلفَكَ الوديانُ ممشــوقةَ الخُطى صعوداً على متنِ ( الجنوبِ ) إلى الـذُرَى
وكانَ صدى كعبيكَ في كلِّ خطـــوةٍ يُطَيِّر ( للأقصَى ) حمامـــــاً مُبَشِّرَا
فَفَاضَتْ من الأجداثِ كلُّ حضـــارةٍ مُعَتَّقَةً في قلبِ ( لبنانَ ) أَعْصُـــــرَا
بَدَا حائراً ( باخوسُ ) من طعمِ خمــرةٍ بِها سَكِرَ الرمــــلُ المُعَنّى ، وأَسْكَرَا
رآكَ وراءَ الغيبِ تجلُـــــو كرومَهَا شهيداً شهيداً : ( هادياً ) بعـدَ ( أشمرَا )
عناقيدُكَ الثُـــــوَّارُ ما زالَ وَحْيُهُمْ بِخَابِيَةِ التاريــــــخِ يشتاقُ سُمَّرَا
عناقيدُ في دَنِّ المنايَا عَصَــــــرْتَها وَرَوَّيْتَ شريـــــانَ الترابِ التَحَرُّرَا
هُنا بَرِئَتْ ( عشــتارُ ) من كلِّ عاشقٍ سِواكَ ، وأهدَتْكَ الجمــــالَ المُصَوَّرَا
* *
فَيَا سادناً دَيْرَ الفــــداءِ ، تَخَمَّرَتْ قرابينُهُ مجداً كريماً ، ومَفْخَــــــرَا
أتيتُكَ لم أثملْ بكــــــأسِ كرامةٍ مدى العُمْرِ .. فاسكبْ لي شهيداً مُخَمَّرَا
هُنا اللغةُ الفُصحى تجاهــــدُ في يدي إذَا لَمعتْ في إصبعٍ صــــارَ خنجرَا
خذُوا أَيُّها الأحــــرارُ كلَّ أصابعي فقدْ صغتُ منها للخناجــــرِ متجَرَا
ويا أَهْلَ وِدِّي .. أجِّـــروني عذابَكُمْ دعوا الوِدَّ يحيا لَوْ عـــذاباً مُؤجَّرَا !!
أريدُ لِقلبي أنْ يُؤدّي جهــــــادَهُ إذا شَدَّ قوساً من هـــواكمْ ، وأَوْتَرَا
مَتَى الحبُّ يهديني .. لَعَلَّ قصيــــدةً أُصوّبُها تفتضُّ للحقدِ منحــــــرَا
شكرا لك جاسم عافاك الله
الشاعر جاسم الصحيح - المملكة العربية السعودية - 25/07/2006 م
__________________